Saturday, October 6, 2018

تماثيل ميّ منسّى المصدًّعة : رواية أدبيّة تعالج ثيمة الجريمة الجنسيّة الأسريّة في مجتمع يُجرّم الضحيّة

هدى مرمر


في ظلّ فضائح الجرائم الجنسيّة للسياسيّين والفنّانين والرياضيّين التي تتكشّف يومًا بعد يوم في مختلف أنحاء العالم بنسب متفاوتة، تُطرَح أسئلة عديدة: لمَ لم تبلّغ الضحيّة عن الاعتداء الجنسيّ من قبل؟ لمَ تكلّمت الآن؟ ما الأدلّة؟ هل الادّعاء مجرّد ابتزاز ماليّ أم بحثً عن أضواء شهرة آنيّة؟

يُلاحَظ طغيان الأسئلة المشكّكة بصدقيّة الضحيّة على تلك الباحثة عمّا شعرت به الضحيّة وقت الاعتداء وبعده، عمّا شجّعها للبوح، عن الندوب الأعمق من تلك التي خطّها المعتدي على جسدها، عن الخوف ومرحلة الصدمة وما بعدها، وعن شعورها لدى مجابهة المعتدي ولدى الإدلاء بشهادتها. لا، هذه الأسئلة لا إفادة مرجوّة منها لأنّ العنف الجنسيّ أداةٌ سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة تبرع المجتمعات والحكومات والشركات المهيمنة على استغلالها ومنطقتها وإخراجها إعلاميًّا كما يحلو لها لدرجة اختزال صراع الناشطة ناديا مراد الحائزة على جائزة نوبل للسلام 2018 البارحة على أنها مجرّد عراقيّة اغتصبها داعش من قبل بعض المحطات الإعلاميّة. فالجرائم الجنسيّة هي مادّة خام تُستَهلَك بحسب المصالح في كواليس السُّلطة الاقتصاديّة، السياسيّة، الاجتماعيّة، والعائليّة.


يبدأ العنف في الكون الأصغر، العائلة. السُّلطة أبويّة في المجتمعات الذكوريّة والضحيّة عادةً ما تكون المرأة و/أو الأطفال. رواية "تماثيل مصدَّعة" للكاتبة ميّ منسّى والصادرة عن دار الساقي عام 2014 تُجيب عن التساؤلات أعلاه بإنسانيّة ووضوح. تتّخذ ضحيّةً للعنف الجنسيّ الأبويّ كشخصيّتها الرئيسيّة. تتمثّل أهميّة طرح هذا الموضوع في تسليط الضوء على جريمة سفاح القربى التي يغضّ المجتمع الشرقيّ النظر عنها ولا يتوقّف عند نكرانها بل ويستميت بصمّ آذانه متجاهلًا أنين الضحيّة من الجنسين. يُحيل المجتمع الضحيّةَ مسؤولةً عن فصم عُرى "العائلة المقدّسة المتماسكة" التي عادةً ما تتلاحم عند شعورها بتهديد الحقيقة لها. وبالتالي، يتكتّل أفرادها ضدّ الضحيّة التي تغدو هدفًا للمساءلة. وحين تظهر الحقيقة - إن ظهرت - التي ظنّوا أنّهم وأدوها، يشكّكون ثانيةً بأقوال الضحيّة ويسألونها بانفصام أخلاقيّ وإنسانيّ لمَ تكتّمت ولم تبُح بالأمر من قبل؟!


رواية ميّ منسّى تُعرّي زيف المجتمع الذي يجلد ضحيّة العنف الجنسيّ الأُسريّ مرارًا في سياق حياته. هي اختراقٌ للنّفس البشريّة ولهشاشتها بأسلوب أدبيّ مميّز يُشرّح الألم ومراحله بصدق ودون مواربة. تتابع الرواية تطوّر الشخصيّة الرئيسيّة النفسيّة والعاطفيّة بشكل أساسيّ من خلال تفاعلها مع ماضيها وأفراد عائلتها وأحوالها الماديّة وترحالها. تُتيح للقارىء إمكانيّة النظر عن قرب إلى أسباب ونتائج العنف الجنسيّ في كنف الأسرة الصغيرة والذي يمكن تعميمه على المجتمع فالوطن.

وفي النهاية، هل يقوى بطل الرواية على مواصلة إعادة جبل نفسه على مدار أيّامه كي يرتق تصدّعاته؟


إن كان المجتمع يصرّ على كتمان الجريمة للمحافظة على سلطته وضمان استمراريّته تمامًا كما تفعل الحكومات على نطاق أوسع، فالأدب ينتفض كي يصرخ بالنيابة عن الضحايا علّ القُرّاء يسمعون صدى الأصوات المُغيَّبة ويعيشون صراع المُعنَّف جنسيًّا ويجدون صورة متكاملةً عن معاناته بعيدًا عن التعليب الإعلامي له.

رابط الاطّلاع على صفحة الرواية الخاصّة بدار النشر هُنا.

No comments:

Post a Comment