Wednesday, October 3, 2018

Bookoholics' 6th Year Anniversary: Book Discussion Meeting with Author Selim Batti

لقاء مع الكاتب سليم بطّي ومناقشة روايته "لن أغادر منزلي" عبر سكايب في مكتبة أنطوان
هدى مرمر


الرواية الأولى للكاتب سليم بطّي، "لن أغادر منزلي،" هي رواية البحث عن حضن الوطن الأم في ظلّ ويلات الحروب والهجرة والتهجير. "لا يوجد من لا يأوى إلى منزل، لكننا جميعاً في التشرّد شركاء." تتوالى الخيبات والخسارات ويتوه في دوّاماتها اللاجئون والمتعبون، ضحايا الحرب والغربة والتخلّي. "ما أكثرهم الآباء، والأيتام سواء." يُبحر القارىء على متن سفينة محكومٌ عليها بالغرق لأنّ الكاتب لا يصطنع ألوان قوس قزح زاهية ليطمس بها سخام الدمار وحمرة الدماء المسفوكة بالأمس في بيروت واليوم في سورية والعراق. بل يُعرّي الكاتب الواقع الجنائزيّ الذي أخذ المواطن العربيّ يعتاده ويصرخ "كفى". "تبتلعك الحرب لقمة واحدة دون إجهاد أسنانها في مضغك. تتغوّط تويجات بقاياك على الأجساد السافرة في عرس يندب، ثمّ تسلك منعطفاتها بعزم مقاتل جهبوذ لا يتزحزح عن مهمّته قيد أنملة." يتسلّح بصدق موجع وسخرية لاذعة وحرقة مريرة ليستدرج القارىء إلى غرفة من مرايا متوازية تحاصره وتُجبره على مواجهة انعكاساته الزجاجيّة. "عالمنا ليس بشرّير... نحن الأشرار..." تُشرّح الرواية الشتات العربيّ بأسلوب أدبيّ متفرّد وتطرح سيناريوهات مختلفة للوجع. ما السبيل إلى الخلاص من الماضي الأليم والحاضر الأشدّ إيلامًا؟ العودة أم الرحيل؟ وهل يهم أيّ الحلول نختار؟ ماذا عن المنزل؟ هل هو جدران مائلة أو تراب قانيّ أو بحر هائج أو سماء غاضبة أو حبيب تائه أو انعكاس مرآة؟ " أختنق وأتوه، والتائه لا يُعاتَب."



أُجريَ الحوار التالي مع الكاتب سليم بطّي مساء الأربعاء 18 تمّوز 2018 في مقدّمة لقاء مناقشة روايته مع أعضاء نادي القرّاء مُدمني الكتب Bookoholics في بيروت بدعوة من النادي ودار هاشيت أنطوان نوفل وبالتعاون مع مكتبة أنطوان في أسواق بيروت Event Link on Facebook:



-من هو سليم بطّي بالدرجة الأولى؟ هل هو قارىء، كاتب، مترجم، أستاذ محاضر، أم ناشط حقوقي ومدني؟
أنا بالدرجة الأولى سليم بطّي. هذا من أصعب الأسئلة التي قد تُطرح عليّ: "من أنت؟" حين أصبح قادرًا على الإجابة عليه، أكون قد بلغت مرحلة متقدّمة من معرفة الذات وأنا لم أبلغها بعد كي أحدّد من أنا. أطلب دومًا من تلاميذي وزملائي في العمل أن ينادونني باسمي من دون ألقاب تسبقه على نحو "أستاذ" أو غيره. حتى هذه اللحظة، ما زلت أبحث عن نفسي، ولهذا أكتفي باسمي الأعزل للتعريف عن نفسي علمًا بأنّني أفتخر بكلّ الصفات المذكورة أعلاه مثل مترجم وكاتب وقارىء لأنّها أعطتني الكثير وبذلت في سبيلها الكثير من جهدي ووقتي ووجودي.

-لمَ تقرأ؟ وما الذي يدفعك للكتابة؟ 
أقرأ لأنّني أعشق الكلمة والوجع. أقرأ وأكتب لهدف أساسيّ وسبب مشترك هو أنّني باحث دائم عن أوجاع الآخرين سواء كان وجع الكاتب الشخصيّ أم وجع شخصيّاته في الرواية أو المقالة أو قصيدة الشعر أو أيّ نوع أدبيّ آخر أو عمل فنيّ غير مكتوب مثل لوحة. أقرأ كي أُشبع حاجتي الداخليّة بالتعرّف على أوجاع الناس التي أستمدّ منها القوّة للتخلّص من أوجاعي الشخصيّة.

-هل من طقوس معيّنة تهيّء لك الجوّ المناسب للكتابة؟
نعم، لديّ بالتأكيد طقوسًا معيّنة للكتابة. أول طقس هو أنّني كي أكتب عن أيّ شيء عليّ أن أكون جزءًا منه. في رواية "لن أغادر منزلي"، كتبت عن لبنان وسورية والعراق. كي أستطيع الكتابة عن هذه البلدان وأوجاعها، أمضيت سنة في العراق وحوالي السنة في سورية وأربع سنوات في لبنان. بغضّ النظر عن لُبنانيّتي، لم أعش في لبنان، لذا لم يكن بمقدوري الكتابة عن لبنان والحرب الأهليّة فيه أو عن حرب العراق وسورية وأنا جالس في شقّتي في لندن. بعض القرّاء يقولون بأنّ المقاطع في الرواية التي تتناول موضوع العراق وسورية صغيرة ولا تستوجب هذه المدّة من الإقامة. لا أوافق هذا الرأي لأنّني حين كتبت عن الحادث الإرهابي الذي وقع في كنيسة سيّدة النجاة في العراق، قلتُ بأنّني أودّ الكتابة عنها بعد دخولي إليها واستنشاق رائحة الموت فيها قبل إعادة بنائها. لذا، سافرت إلى العراق بعد أن وقع الحادث سنة 2010 بشهر واحد وزرت الكنيسة، وبالفعل ما تزال رائحة الدماء وجثث الضحايا معشّشة في ذاتي حتّى اليوم. إن لم أٌجبَل بطينة البلد أو المجتمع، أو لم أعانق عيون الناس وأوجاعهم ودموعهم، لا أستطيع الكتابة عنهم. طقسي للكتابة الذي لا يتغيّر هو أن أكون جزءًا من المأساة التي أصوّر وشاهدًا عليها.


-روايتك الأولى "لن أغادر منزلي" صدرت عن دار نوفل هاشيت أنطوان العام الماضي. متى بدأت كتابتها؟ وما الذي دفعك للرغبة بنشرها؟
بدأت بكتابة "لن أغادر منزلي" سنة 2007 حين كنت أتعلّم اللغة العربيّة. لم أكن أتقن العربيّة إذ غادرت لبنان في عمر ال8 سنوات وذهبت إلى لندن وعشت في المدرسة الداخليّة حتى عمر ال18 سنة. تخرّجت منها غير مُلمًّا باللغة العربيّة إذ نسيت ما تعلّمته في صغري. أردت الانتقام من اللغة ومن النقص الذي عانيت منه كوني عربيًّا لا يتكلّم لغته، فقرّرت تعلّمها وكتابتها. حين قلت أنّني سأكتب روايةً بالعربيّة، رأى الجميع ذلك مستحيلًا. تحدّيتهم بقولي أنّهم سيحتاجون القاموس كي يفقهوا معاني الكلمات والجمل التي سأستخدم في روايتي يومًا ما، وقد تحقّقت النبوءة! أتت الكتابة انتقامًا من ذاتي وطفولتي حين تشرذمت من وطني ووجدتني في مدرسة داخليّة يتحدّث فيها الجميع بالانكليزيّة والفرنسيّة وأنا لا أتكلّم سوى اللهجة اللبنانيّة. لهذا تخصّصت في اللغة العربيّة وكتبتها في رواية لم أنو نشرها في بادىء الأمر. لكنّني احتجت في مرحلة ما إلى التخلّص من عبء الرواية وشخصيّاتها والوجع الذي يسكنني منذ الطفولة. الطريقة الوحيدة للتخلّص من هذه الأعباء كانت عبر الكتابة، وثمّ كنت أمام خيارَين إمّا إخفاء ما كتبت أو تحميل القارىء بعضًا من هذا الوجع. عبر نشر الرواية، تصرّفت ببعض من الأنانيّة بدعوتي القارىء لتحمّل العبىء معي والشعور بما عايشت واستلام رسالة خططتها بالنيابة عن الموجوعين في بلادنا الذين لا صوت لهم. شعرت بأنّ مهمّتي أن أنقل وجع الناس ووجعي الشخصيّ للذين لا يعرفون هذه القصص. وبالفعل، تصلني رسائل قرّاء من المغرب وغيرها من البلدان البعيدة عن لبنان وسورية والعراق تتحدّث عن مدى تعاطفهم مع ما يحصل في هذه البلدان. الأمر الذي يشعرني بالامتنان بأنّ الرسالة قد وصلت للقرّاء.


- كلّ قارىء قد يستقي مغزى ما أو يغلبه شعور ما خلال وبعد مطالعته للرواية. ماذا أراد سليم بطّي القول من خلال 'لن أغادر منزلي' وأيّ شعور تمنّى أن يوصله للقارىء أو أن يصل إليه القارىء؟
مبدئيًّا، أكتب من أجل نفسي قبل القارىء إذ أشعر أنّني إن لم أستطع الكتابة لنفسي، لا أستطيع الكتابة للآخر. أواجه نفسي بالصعوبات التي أمرّ بها من خلال الكتابة. الهدف الأساسي من كتابة هذه الرواية كان كما سبق وذكرت أن أوصل رسالة للقرّاء بأنّ هذا هو ما حصل ويحصل وسيحصل في لبنان.

-من خلال تفاعل القرّاء معك، ما الآراء التي استوقفتك، من الأكثر تأثيرا إلى الأكثر غرابة؟
أذكر رسالتَين استوقفتاني من القرّاء، رأي أفرحني وآخر أزعجني. الرأي الأول الذي أستحضره دائمًا في أيّ حوار هو من قارئة تحضر هذا اللقاء معنا اليوم. كتبت رحاب جملة مميّزة في مراجعتها للرواية، وهي جملة ما زلت أفكّر بها حتى اليوم، أتى فيها: "هذا الكاتب شرّح نفسه أمامنا ودعانا إلى هذه الوليمة." حين قرأت هذه الجملة، بكيت، وللحظة ندمت على نشر الرواية وتساءلت إن كان هذا ما يراود ذهن القرّاء؟! لكنّني سرعان ما وجدت بأنّ نشر الرواية كان صائبًا حتى وإن تناولت مواضيع شخصيّة تمسّني.
الرأي الذي أزعجني هو قول أحد القرّاء بأنّني كاتب يحبّ برز واستعراض عضلات قدراته اللغويّة. وإنّه لشيء مؤسف أن يفكّر أحد بهذه الطريقة. وظيفتي ككاتب هي احترام القارىء وليس التعالي عليه. أنا لا أتباهى على القارىء بمعلومة أو مفردة أعرفها أو لغة أمتلكها لأنّني لم أُخلَق أتقن اللغة بل بذلت جهدًا حتى بلغت هذه المرحلة المعرفيّة التي تخوّلني إيصال أفكاري ومشاعري بطريقة فنيّة. لم ولن أستخدم جملًا معقّدة كي أُشعر القارىء بأنّني أفضل منه. يستحيل ذلك لأنّني سأكون الخاسر الوحيد لحظة يشعر القارىء بوجود هوّة بينه وبين الكتاب وينتقل إلى غيره. لست بحاجة لتبرير أسلوبي الكتابيّ. كلّ قارىء لديه نظرته الخاصّة للكتاب، ولا يستطيع الكاتب أن يُملي عليه أن يحب أو يكره أو يرى الكتاب من منظور ما.


-قيل بأنّ لغة ومصطلحات 'لن أغادر منزلي' صعبة. إنقسم القرّاء على موقع غودريدز بين من أثنى على المستوى اللغوي المتقدّم في الرواية وبين من رأى بأنها عرض عضلات لغويّة مفتولة وبالأخصّ الصفحات الأولى. ما تعليقك؟
الكتاب صعب لغويًّا لأنّه أحاسيسه صعبة. لا أستطيع جبل مادّة معقّدة فكريًّا وترجمة مشاعر متشابكة باستخدام لغة سهلة. أتى الفصل الأول تحديدًا مليئًا بالرموز وأبطاله طفل وتفاحة وذباب وقارورة ماء. لا أستطيع تقديم هذا الفصل الرمزيّ الذي يختصر تاريخ بلد بأكمله في مشهد من بضع صفحات بلغة طواعيّة بسيطة لأنّ على اللغة أن تتكافأ مع المضمون. وهذا الفصل هو عبارة عن مقال لم أنشره سابقًا وقرّرت استهلال "لن أغادر منزلي" به لأنّ القارىء قد يكتفي به كرواية كاملة عن الحرب من خلال تقديمه حياة مجتمع من خلال لاجئين يعانون في بلد يعاني. استغنيت فيه عن الشخصيّات واستخدمت فيه الحيوانات والجمادات.
من ناحية أخرى، أين تكمن المشكلة إن كانت اللغة صعبة؟ لم نستسهل القراءة والكتابة؟ لم عليّ قراءة كتاب ما أعرف كل ما يحتويه من معلومات ولا جديد فيه؟ أرى بأنّ العديد من القرّاء يعانون من كسل البحث عن معنى أو أسلوب أو معلومة. لم لا أعيد قراءة جملة ما مرتين أو أكثر لإدراك مغزى الكاتب منها؟ لم عليّ أن أقرأ كتابًا سلسًا وأنا ممدّدًا على شاطىء البحر أستمتع بالكتاب؟ كما سبق وذكرت على صفحة الفايسبوك والانستاغرام، "لن أغادر منزلي" ليست رواية مسلّية، ليست رواية تُقرأ في الباص لتمضية الوقت. نصحت البعض بعدم قراءتها لأنّها تحمّل القارىء خيبات كلّ الشخصيّات بمن فيهم الكاتب. ليست رواية للتسلية أبدًا، وبالتالي لا أنصح بقراءتها لمن ليس مستعدًّا لبذل مجهودًا في استيعاب المشاعر والتناقضات وأوجاع الشخصيّات. بالإضافة إلى ذلك، تعلّمت اللغة العربيّة في مدرسة ولم أكتسبها في منزل العائلة، ولا تستطيعين المقارنة بين من يكتب بلغته الأم المكتسبة في مجتمعه وشارعه ومنزله وبين من تعلّمها على أصول النحو والقواعد. هذا الأمر يؤثّر على كيفيّة الكتابة. أنتقي الكلمات وأدوزنها حسب أصول اللغة، ولذا تخرج بهذا الشكل الذي يجده البعض صعبًا. جرّبت تبسيط اللغة أكثر دون جدوى وقد تكون هذه نقطة ضعف في الرواية. أستخدم اللغة التي تتناسب مع الحدث والشعور ولا أقدر أن أبسّطها حين يكون الحدث جللًا، بل تتفجّر اللغة عندي كي تنتقم من الحدث تصاعديًّا مع طبيعته سواء كان ظلمًا أو حربًا أو غير ذلك. وهكذا تأتي اللغة متناغمة مع وتيرة الوجع والاعتراض.



-تضجّ "لن أغادر منزلي" بالصور والايحاءات الجنسيّة في محاولة تشريح الحرب وويلاتها. لم اخترت الجنس أداةً في كتابة الرواية؟
أرى بأنّ معظم مشاكلنا في العالم العربي سببها أناس يقتلون الأبرياء كمعبر لدخولهم الجنّة وتزويجهم بحوريّات وسباحتهم في أنهار الخمر. حاربتهم بنفس سلاحهم: الجنس. استخدمته في إنتاج أدبيّ بينما يستخدمونه للقتل والموت والدمار.

-ما الرواية التي تتمنى لو أنك من كتبتها؟
الرواية التي تمنّيت لو أنّني كاتبها بالفعل هي رواية مي منسّى "قتلت أمّي لأحيا." يُقال أنّ "لن أغادر منزلي" مؤلمة، ولكن رواية مي منسّى أدخلتني في حالة من الاكتئاب لمدّة شهر بسبب الثقل في أوجاع الشخصيّات المنكّسة حيث كل شخصيّة مجبولة بكمية مخيفة من الوجع. حين أنهيتها تساءلت: "لم فعلت هذا بي يا مي منسّى؟!" أنا الباحث عن الوجع وجدت فيها وجعًا لم أقوَ على حمله. تمنّيت لو أنّني كتبتها ولكن لم أتمنّى أن أعيش في عالمها.


-حدّثنا عن النوع الأدبي والروايات والكُتّاب المفضّلين لديك. ما الذي يأسرك في أو ينفرّك من رواية ما؟ بمعنى آخر، ما الذي تبحث عنه في الرواية؟
يستهويني كثيرًا أدب الحرب، المعاناة، والميلودراما. أبحث عن الكتب الحزينة والمؤلمة. لديّ إيمان بأنّ الوجع هو جوهر الحياة. تقول مي منسّى أنّ السعادة تبعد الانسان عن جوهر الحياة. أؤمن بذلك. أفضل ما قمت به كان نتيجة حزن أو وجع. للحزن فضل عليّ وأحب مكافأته بأن أعيشه أو أن أقرأ لمن عايشوه ولو كانت مآسيهم مختلفة. أحب من الكُتّاب ربيع جابر لأنّه يكتب بهذه الطريقة مثل في "الاعترافات" و"دروز بلغراد" حيث تكلّم عن معاناة الناس في الحرب والمجتمع. أحبّ أستاذتي مي منسّى بالطبع، وطارق بكّاري الذي أحترم أدبه كثيرًا. هؤلاء كُتّابي المفضّلين الذين أستطيع تقييم كتبهم قبل الانتهاء من قراءتي.
ما ينفّرني من رواية ما هو الاستسهال، حين أشعر بوجود هوّة بيني وبين الكتاب. مثلًا، إن كنت في مشهد عليّ أن أحزن ولكنّني أجاهد لأشعر بالحزن أو أعيش الحالة. أعشق الشوك، وإن كنت أرى ولا أستطيع الشعور بالشوك في الكتاب، تحدث هوّة تبعدني عن الجوهر الذي أطمح إليه. هذا الأمر يدفعني لترك الكتاب جانبًا. قد يكون مكتوبًا بصدق ولكنّه لا يصلني، بسبب اللغة أو الأسلوب. وهنا ألوم نفسي وليس الكاتب لأنّني لم أستطع أن أعيش هذه التفاصيل معه. لا أستبعد عدم حدوث توافق وتواصل خلال قراءتي كتابًا جيّدًا كنت لأحببته لو قرأته في وقت آخر. لذلك لا أنقد كتابًا بل أبدي رأيي به. لا أقول بأنّ الكتاب سيّىء بل أنّني لم أشعر به كقارىء مع أنّه قد يكون مكتوبًا بحرفيّة عالية وجماليّة. القراءة هي إحساس أيضًأ، وأتساءل عمّا غيّر الكتاب فيّ وما أشعرني به وما طرأ عليّ بعد قراءته؟ ما كان الكاتب يودّ أن يقول من خلاله؟ إن لم أجد هذه العناصر، لا يكون الكتاب جيّدًا بالنسبة لي أنا.

-هل من أعمال روائيّة قادمة للكاتب سليم بطّي؟
أكتب حاليًّا الجزء الثاني من "لن أغادر منزلي". ستصدر الرواية عن دار نوفل هاشيت أنطوان في معرض بيروت للكتاب 2018 تحت عنوان "فونوغراف". أكملت قصّة "لن أغادر منزلي" لأنّني لم أتحرّر منها وشعرت بضرورة كتابة المزيد عن شخصيّاتها. كما تساءل القرّاء عن تفاصيل ومصائر الشخصيّات. لذا ستحوي "فونوغراف" أجوبةً على كل هذه التساؤلات.

 
استُكمل اللقاء بمشاركة القُرّاء آراءهم وأسئلتهم للكاتب التي ركّزت على النقاط التالية:
§       التشديد على أثر الرواية في أنفسهم لأنها تعالج مواضيع حسّاسة للغاية كالحرب والغربة والهجرة والعلاقة مع الأم ومع بيروت، فتكلّم العديد بحرقة وانفعال لأنّ موضوع الهجرة يؤرّقهم. الأمر الذي دفع بهم للبوح بما يمرّون به من تخبّط في اتّخاذ قرار بالبقاء أو بالرحيل عن وطنهم من جهة، ولمزاحمة الكاتب بأسئلة عن تجربته الشخصيّة من جهة أخرى مع التطرّق لنهاية الرواية ولأسباب قرار الراوي الأخير إمّا بالبقاء أو بالرحيل عن لبنان. وهنا لم يعد القُرًاء يفرّقون ما بين الرواية والكاتب ويُحسَب للكاتب سعة صدره واستيعابه لهفة القُرّاء وابتعادهم عن الموضوعيّة في عدم تحييده عن الرواية من فرط تعلّقهم بها. وكأنّهم كانوا يبحثون عن بصيص أمل زائف ما بين صفحات الرواية تعينهم وتمدّهم بالصبر على واقع وطنهم العربيّ المرير وكانوا يطالبونه بهذا الأمل ويحاجّونه وهذا دليل على أنّ الرواية نجحت بالوصول إلى ذات القُرّاء بصدق وقسوة جارفَين.
§       الأسلوب الكتابي وخصوصًا اللغة والصراحة غير المألوفة في تشريح واقع الحرب سياسيًّا واجتماعيًّا في لبنان وسورية والعراق وفي طريقة معالجة شخصيّات الرواية.هذا بالاضافة إلى فصل "كواليس مسرحيّة ڤودڤيليّة" التي رآها البعض على أنها أصعب فصول الرواية من حيث رموزها وشخصيّاتها (طفل وتفاحة وذباب...) وتوقّفوا عندها كثيرًا.
§       العلاقة مع الأم البيولوجية البريطانيّة الجنسيّة والهوى مقابل العلاقة مع الأم البديل، أرض الوطن المتسامح، مدينة بيروت. وهنا الصراع بين رحمين وهويّتين وانتمائين.
§       العلاقة مع الجدّة والوطن والشعور بالفقدان والحرمان وما يولّده ذلك في النفس وفي تقرير المصير ومجابهة الذكريات والماضي. وقد أبدى العديد من القُرّاء تأثّرهم الشديد عند قراءة مشهد وداع الراوي القسريّ لجدّته.

لا شكّ بأنّ الوقت لم يتّسع للغوص في كل أبعاد الرواية وهو أمر متوقّع لأنها رواية مكثّفة ومشحونة بالمشاعر والصور والأفكار والشخصيّات. لم نستطع مناقشة كل ثيمات وشخصيّات ورموز الرواية والسيناريوهات المتعدّدة لأوجه الحرب وضحاياها ومنها الميّت والحيّ الميّت والمشرّد والمهجَّر والمغترب. لذا وُزّع على القرّاء معلومات إضافيّة عن الرواية وتقسيمها الذي يمكن الاطّلاع عليها في دليل مناقشة الرواية هُنا. كما يمكن الاطلاع على صور إضافيّة من اللقاء هُنا وعلى مراجعتي للرواية على موقع Goodreads.

ننتظر صدور رواية الكاتب الثانية "فونوغراف" ونتطلّع لمناقشتها مطلع العام القادم.
شكرًا سليم من القلب على الرواية واللقاء المميّز وكونك رغم المسافات ما تزال تساهم في نجاح واستمرار وتطوّر النادي.



No comments:

Post a Comment